في إطار تحقيق ميداني أجرته جريدة “الأخبار55” حول واقع نزلاء مستشفى العروي للأمراض النفسية، اتضح أن غالبية الحالات الواردة على المستشفى لا تنحصر في المرضى النفسيين بالمعنى التقليدي، بل تشمل بشكل متزايد شبابًا يعانون من اضطرابات عقلية حادة ناتجة عن تعاطي المخدرات، خصوصًا تلك القوية أو التي تُستهلك بجرعات زائدة.
ما أثار انتباه فريقنا، أن النزلاء ينحدرون في أغلبيتهم من مختلف جماعات إقليم الدريوش، إضافة إلى حالات من زايو ومحيطها، والبقية من العروي والناظور وسلوان حيث يتم نقلهم في الغالب برفقة عناصر الأمن بعد تسجيل حالات هيستيرية حادة تهدد سلامتهم وسلامة أسرهم.
ورغم أن مستشفى الأمراض النفسية بالعروي مخصص للتكفل بالمرضى العقليين والنفسيين، إلا أنه بات يتحمل عبء التكفل بحالات الإدمان، التي ليست من اختصاصه المباشر، نظرًا لانعدام مراكز متخصصة بالإيواء في علاج الإدمان في الإقليمين. ويتوفر إقليما الناظور والدريوش على مركز وحيد لطب الإدمان، ويتجلى دوره على المواكبة الطبية وتقديم البرامج التأهيلية والوقائية للمدمنين، دون أن يشمل خدمات الإيواء الضرورية ،كما ان الجمعية الوطنية للتقليص من المخدرات التي تستشغل في المركز تقوم بمجهودات كبيرة لتاهيل ومواكبة مرتفيقيها من المدمنين
الأرقام غير الرسمية تفيد بأن العشرات من الحالات التي تُحال على مستشفى العروي شهريًا تعود لأشخاص فقدوا السيطرة على أنفسهم بفعل تأثير المخدرات، ليجد المستشفى نفسه مطالبًا بتوفير العناية الطبية والمراقبة النفسية والإيواء، رغم ضعف الإمكانيات والطاقة الاستيعابية المحدودة التي لم تعد قادرة على مواكبة هذا التدفق المرتفع.
وفي جولة بمحيط المستشفى، رصدنا معاناة أسر بأكملها مع أبنائها المدمنين، الذين يُصابون بنوبات عنف هستيري تهدد استقرارهم الأسري، ما يضطرهم لنقلهم إلى العروي كخيار أخير. وتحدث لنا عدد من أولياء الأمور عن ليالٍ بيضاء وقلق دائم، وغياب الدعم الاجتماعي والنفسي الحقيقي لهم ولأبنائهم، في ظل صمت رسمي وتجاهل لمأساة تتفاقم يومًا بعد يوم.
وتطرح هذه الوضعية تساؤلات حارقة حول السياسة العمومية في مجال الإدمان والصحة النفسية، وضرورة التعجيل بفتح مراكز متخصصة في علاج الإدمان بالإيواء، وتوسيع خدمات المستشفى الحالي، وتوفير الدعم الكافي له، لتمكينه من القيام بدوره في ظروف إنسانية لائقة.
فالوضع اليوم لم يعد يحتمل الانتظار، والمخدرات بأنواعها باتت تهدد النسيج المجتمعي في عمقه، مستهدفة أغلى ما نملك: شبابنا. فهل تتحرك الجهات المعنية قبل أن يتحول مستشفى العروي إلى مركز للنجدة من كوارث صامتة
أضف تعليقك أو رأيك