يمكن اعتبار معركة العروي أو *العاهد ؤ عاروي* في غشت1921، من أشرس المعارك التي خاضتها المقاومة الريفية ضد الاحتلال الاسباني بعد معركة أنوال، حيث تمت محاصرة القوات الإسبانية داخل العروي(1) بعد أن التحق بها الجنودالفارون من معركة أنوال بقيادة الجينرال*نافارو* ومنع دخول إمدادات غذائية أو طبية، وقدر عدد هؤلاء الجنود بحوالي3 آلاف جندي، حيث ساءت أحوال المعسكر أمامهذا الحصار،ما أدى إلى استسلام نافرو ومن معه يوم 02 غشت 1921،بعد عقد اتفاق بين الطرفين كي ينسحب الجنود الإسبان من مركز العروي، تم عقد هدنة بين الطرفين، لا يمكن تحديد أي الجانبين قام بخرقها. لكن عواقبها كانت كارثية علىالإسبان، إذ تحول مركز العروي الى مجزرة حقيقية للجنودالإسبان الذين قتل منهم حوالي 3 آلاف وأسر حوال 500. فكان الحدث انتصارا كبيرا.
غير أن نتائج معركة “لعاهد ؤ عاروي” لم ترق لمحند بن عبدالكريم الخطابي، فرفض إخلاء مليلة من الإسبان، وهو سؤال اشكالي يبقى مطروحا عن الأسباب التي دعت بن عبد الكريم لاتخاد قرار بهذا الحجم التاريخي؟ هل الأمر يتعلق بنظرته للمقاومة؟ أم هو رفض لما حققه الثوار جنوب الريف الشرقي من تفوق على العدو دون مشورته؟ هل هو الحنين لمليلة التي عمل بها وكانت له صلات وعلاقات بالاسبات عنداشتغاله هناك كقاضي وصحفي؟ هل الأمر يتعلق بالأنانية الزائدة، والغرور ولو على حساب اهداف المقاومة ؟ هل هي شخصية بن عبدالكريم النزاعة للزعامة المفرطة وتضخيم الذات، فمعلوم أنه عندما شكل حكومة الريف كان رئيسا لها وأخويه أحدهما نائبه وصهره وزير المالية؟ هل هو احتقار للمقاومين من قبائل جنوب كرط الذين لم ينضبطوا لأية سلطة، أي آيث بو يحيي ولمطالسة؟خاصة وأن موقعة ”لعاهد ؤعاروي” جرت في المجال الترابي لقبيلة آيث بويحيي، وجاءت مباشرة بعد معركة أنوال، وربماتكون قد سرقت الأضواء من أنوال؟ إنه من الطبيعي أن تقع خلافات بين المقاومين، وداخل القيادة عينها، خاصة وأنالأمر يتعلق بجمع صفوف قبائل مختلفة ومتناحرة رغم مايجمع بينها من مصالح مشتركة يأتي على رأسها العدو المشترك، لهذا كانت بعض القبائل تتحرك بمفردها وبمعزل عن القيادة العامة للمقاومة خاصة آيث بويحيي الذين عانوا التهميش من هذه القيادة ولا يتم ذكرهم إلا نادرا أو ضمن مجموعة لمطالسة التي كان على رأسها الحاج عمر لمطالسي ومن بعده بورحايل البويحياوي.
وقد وصف أحد المؤرخين الإسبان، رايموند كار، الوضع في مليلة آنذاك بقوله ” … لقد انهارت معنويات ما بقي من الجنود بمليلية مع مدنيين متشائمين، أما الاخرون فقد سقطو بسرعة في مذابح ببعض المراكز المحيطة بها، كجبل العروي، فاقدين بنادقهم وعتادهم، ووصلت بعض فرقهم الى المدينة بقيادة “سانجورجو” من الجبهة الشرقية،والحادث من حسن الحظ ، لم يؤد بابن عبدالكريم باستعمال مواقفه العدائية و أنقذ مليلية“(2).
عاد الإسبان لاحتلال جميع المواقع التي أرغمتهم المقاومة على الانسحاب منها قبل معركة “لعاهد ؤ عاروي” والزحف نحو مليلة في ذات الستة، أي 1921، أكثر قوة ووحشية ودموية، فعملوا على إبادة ساكنة الريف، لأن المقاومة تصدعت صفوفها وانهارت معنويات المقاتلين بعدما فقدو اي أمل في استرجاع مليلة، وربما كانت هذه الأحداثا الماسوية المنقلبة في مسار المقاومة الريفية هي التيع عجلت باستسلام محندبن عبد الكريم الخطابي؟
قام الحاج اعمار لمطالسي بزيارة لملوية عند قبيلة آيث بويحيي أحد الأركان الأساس في المقاومة الريفية جنوب الريف الشرقي بمركز تيزطوطين، إلى جانب حليفهم التاريخي،قبيلة لمطالسة بتاريخ 09 يناير 1912 للتنسيق وجلب الأموال والاسلحك التي غنمها أو حصل عليها المقاومون من الفرنسيين، فكانت نتيجة هذا التحالف تكوين نواة لحكرةالمقاومة من قبائل آيث سيدال وبوقيين وبارودين، تضمن حوالي 200 مقاتل و40 من الخيالة، ثم حركة أخرى للمقاومة تتكون من آيث بويحيي ولمطالسة بمركز ثيزضوضين، في انتظار انضمام قبائل آيث سعيد وآيث وليشك آيث ثمسمان،هذا ومباشرة بعد عودة الحاج اعمار لمطالسي من ملوية آيث بويحيي ولقائه بالوسيط الفرنسي الطيب بوعمامك، سمع اطلاق كثيف للنار بآيث بويحيي ولمطالسة(3) على مراكز الجنود الإسبان، فأثار هذا الأمر غضب الصحافة الإسبانية التي وجهت خطابا وضحا لفرنسا كي تتحالف مع الإسبان ضدالعدو المشترك من أجل مصالحهما المشتركة، لأن إسبانياتعتبر حربها بالريف حربا مقدسة، ودعت الإدارة العسكريةلاحتلال الجزء الجنوبي من الريف الشرقي بكل من “صبرا” و“كرت“، والقضاء على أصل الثورة هناك، الثورة التي تقودها قبيلة آيث بويحيي ولمطالسة اللتان استطاعتا تنظيم 5 آلاففارس(4). لكن سرعان ما دب خلاف بين ثوار آيث بويحيي الحاج اعمار لمطالسي، لأن آيث بويحيي كانوا يرفضون الانصياع لتعاليم قيادة المقاومة، فسعى الحاج اعمار لمطالسب للصلح معهم، فاجتمعوا بسوق الجمعة بآيث بويحيي، وهناك حصل التوافق من جديد بينهم، وقد قدر عد مقاومي القبيلتين بحوالي 17 ألف مقاتل(5) ، فكان حضور آيث بويحيي قويا في جنوب الريف الشرقي ولم يترددوفي التعاون مع بقية القبائل، فكان قادتهم يحضرو الاجتماعات التنسيقية(6)، علما أن التنسيق القوي كان بين مطالسة وآيث بويحيي الذين خلقوا متاعب كبيرة للإسبان باعتراف من الصحافة الاسبانية التي لم تستطع مداراة أخبارالهزائم التي مني بها جنودهم في مختلف المواقع، داخلكرط أو خارجه، بمجال تاوريرت “أشوف” و“تكرمين” و“تلالبركان” و“رأس سيدي سالم وغيرها(7).
هناك صفحات مظلمة من تاريخ المقاومة بالريف، تحتاجالجرأة لإماطة اللثام عنها، جرأة الباحث الموضوعي، لأنالكثير من الخبار تم القفزعليها …
الهوامش:
1- العروي نسبة لـ “ثاعرورث” بالأمازيغية، أي الكدية أوالظهر، ف“ثاعرورث” هي تصغير ل“أعرور” أي الظهر منالجسد، وهي المكانالذي بني في مركز العروي الذي لم يكناختياره اعتباطا بل إن موقعه ذو أهمية عسكرية حيث تمكنتمن خلاله القوات الإسبانية من مراقبةقبائل الجنوبي منالريف الشرقي خاصة قبيلتي آيث بويحيي ولمطالسةوبالتالي مراقبة الحدود فرنسا التي كانت تحتل جزء من ترابآيثبويحيي، وقد عرف العروي أيضا تحت إسم “كدية القنفذ“
2-Raymond carr : Espana 1808 ـ 1975 . Edetorial Ariel S.A BARCELONA 2003
3- مقال لصحيفة أب س الإسبانية، بتاريخ 9 /1 / 1911 صفحة. 2، بعنوان، “حادثة مليلية أيقظت إسبانيا“
4- نفسه، مقال بتاريخ 9/ 10 / 1911، ص. 6، للصحفي خوصيماريا إسكودير، بعنوان، “مسؤولية فرنسا“، يتحدث عنالخسائر التيألحقها رجال المقاومة من آيث بويحييولمطالسة بالجنود الإسبان بمنطقة كرط منها إصابةالكولونيل بريمو دي ريفيرا
5- نفسه، مقال بتاريخ 9 /1/ 1912، ص. 5، بعنوان، “تكوين وقتلى الحركة“، اما عن طبيعة الخلاف الحاصل بين الحاج اعمارلمطالسيوآيث بحيي فقد ذكرت صحيفة إرلادو مدريد فيعددها ليوم 3/1/ 1912 في ركن “مليلية مستعجل“، أنه بعدمعركة “إيارورا” بيني بويافرفي 27 دجنبر 1911 عاد القائداعمار لمطلسي إلى دياره نتوترا بسبب تكتيك هجومي تشييفي خلاف بيته وبين القائد الشريف أمزيانوآيث بويحيي عنكيفية تنظيم الهجمات وأهدافها لأن آبث بويحيي نظمواهجوما على الإسبان من الجهة الغربية التي تحت نفودفرنسافغضب الحاج اعمار لمطالسي لذلك، وتبين هذهالواقعة مدى الحضور القوي لآيث بويحيي في معادلةالمقاومة وكذا عدم انصياعهم لأيةتعليمات لا ترضيطموحاتهم خاصة وأنهم يحتلون موقا حساسا بين الدولتينالمحتلتين إسبانيا وفرنسا
6- ذكرت صحيفة مراسلة مدريد في عددها رقم،19254، بتاريخ30/10/1910، أن رؤساء فروع آيث بويحيي انتقلوا إلىتافرسيتواجتمعوا بقبائل بني توزين و بني أوليشك و كزنايةو بني سعيد استجابة لدعوة هذه القبائل من أجل تنظيمصفوفهم ولتحق بهم لمطالسة
7- صحيفة أ. ب. س، م. س، مقال بتاريخ 28/5/1915، بعنوان“معلومات عامة عن تقدمنا في الريف“، ص. 14
أضف تعليقك الأول إلى هذا المنشور
تعليقات الزوار