تُعِدُّ حكومة عزيز أخنوش ثاني مشروع قانون مالية لها في سياق دولي مطبوع باستمرار موجة التضخم وتأثيره على القدرة الشرائية للمواطنين، وتوالي سنوات الجفاف وتداعياته على الإنتاج الزراعي؛ وهي تحديات تؤثر على ميزانية الدولة وتضيق هامش التحرك.
وكان معدل التضخم سجل العام الماضي أعلى مستوى له منذ التسعينيات، بعدما وصل إلى 6.6 في المائة، بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وهو ما أضر بالقدرة الشرائية ودفع بنك المغرب المركزي إلى تطبيق أطول دورة تشديد نقدي له من خلال رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 3 في المائة حالياً.
أما على مستوى الجفاف فهو مستمر منذ سنوات، وقد أضر بالقطاع الفلاحي الذي يوفر عدداً كبيراً من مناصب الشغل، ويساهم في الناتج الداخلي الخام بحوالي 15 في المائة. وكان لذلك تأثير مباشر على أسعار الخضر والفواكه التي كانت نادراً ما تلهب جيوب المغاربة.
وسيكون على الحكومة أن تضع في الحسبان توفير نفقات مهمة لمواجهة هذين التحديين؛ فلدعم القدرة الشرائية للمواطنين اضطرت إلى تخصيص نفقات إضافية بلغت 40 مليار درهم برسم العام الماضي، و10 مليارات درهم خلال السنة الحالية.
ملفات حارقة
إذا كانت الحكومة ترى أن تخصيص اعتمادات مالية إضافية، إلى جانب السياسة النقدية للبنك المركزي، قد آتى أكله من خلال تطويع مسار التضخم هذه السنة من ذروته في فبراير بـ10.1 في المائة إلى 4.9 في المائة في يوليوز، فإن عودة أسعار المحروقات مؤخراً إلى الارتفاع بوتيرة أسرع تنذر بموجة جديدة من ارتفاع التضخم.
ارتفاع أسعار المحروقات من الملفات الحارقة، فكلما زادت كان تأثيرها شاملاً على باقي المنتجات والخدمات. ومن شأن التحقيق الجديد الذي يباشره مجلس المنافسة في هذا الصدد أن يعيد الأمور إلى نصابها، في حال كان صارماً في تطبيق القانون، في ظل إقرار مصالحه بوجود قرائن وحجج على مخالفات واضحة تجعل الأسعار متفقا عليها في سوق من المفترض أنها محررة منذ 2015.
وحتى لو أعملت الشركات قانون المنافسة ودفعت الأسعار إلى أدنى حد لها فإن ارتهان المغرب إلى السوق الدولية بشكل كامل لاستيراد حاجياته من المحروقات يجعل المواطن عرضة دائماً لتقلبات برميل النفط، وهو ما يستدعي التفكير جدياً في حل أزمة “سامير”، ولما لا التفكير في حشد الاستثمار العام والخاص لإعادة التكرير، في ظل ارتفاع هامشه في بنية الأسعار.
ملف سامير هو أيضاً من الملفات الحارقة، فمسؤولية الحكومة ثابتة، لأن القضاء قال كلمته الأخيرة، والمطلوب اليوم هو تفويت هذه الشركة إلى مستثمر؛ لكن عدم وضوح الرؤية حول مستقبل هذه الصناعة يعد عائقاً، ناهيك عن كون الملف مطروحا أيضاً لدى المركز الدولي لفض منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي، وهو ما يستدعي تتبعه وإنهاءه بشكل سريع.
كما أن الجفاف من الرهانات الكبيرة المطروحة على الحكومة، فتوالي مواسم الجفاف لسنوات جعل ندرة المياه واقعاً وتحدياً كبيراً، ويستدعي التوجه نحو نموذج جديد بالاعتماد على تحلية مياه البحر. لكن الحل الأكبر يكمن في جانب آخر، يتمثل في إنهاء استعمال المياه العذبة في القطاع الفلاحي بدون ترشيد.
ضبط المؤشرات
يوسف كراوي فيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، قال إن “التحدي الأبرز في أي مشروع قانون مالية هو كيفية ضبط المؤشرات الأساسية المتعلقة بتحضير وثيقة الميزانية، أي الفرضيات التي يتم الاعتماد عليها لتوقع النمو، خصوصاً المحصول الوطني من الحبوب وسعر برميل البترول وسعر غاز البوطان”.
والمحصول الوطني من الحبوب سيكون متوسطاً، وغاز البوطان متقلب عالمياً، وسعر البرميل حالياً يشهد ارتفاعاً مستمراً، وهو واقع يستوجب تبني فرضيات واقعية، خصوصاً على مستوى النمو الاقتصادي المتوقع في ظل سياق مطبوع بموسم فلاحي متأثر بالجفاف.
ويرى كراوي، في حديث لهسبريس، أن “هناك حاجة ملحة إلى اعتماد الإبداع الضريبي، من خلال تطبيق جيل جديد من الضرائب لاستيعاب المصاريف المرتفعة للدولة، وتقليص المديونية العمومية، لأنها ترهق الميزانية العامة وتجعل هوامش تحرك الحكومة ضعيفة جداً، وبالتالي ضعف مبادراتها التنموية”.
ولتفادي الاقتراض من أجل تمويل النفقات الطارئة وغير المتوقعة على حساب الاستثمار، شدد المتحدث على ضرورة “تسريع تفعيل الإصلاح الجبائي بهدف توسيع الوعاء الضريبي وتطبيق الضريبة على الثروة والشركات والقطاعات المحتكرة”.
ورغم الظرفية الصعبة فإن الحكومة عبر مشروع قانون مالية 2024 تسعى إلى تحقيق نمو يناهز 3,7 في المائة العام القادم، مقابل 3.4 في المائة متوقعة نها
لجاري. أما عجز الميزانية فتعول الحكومة على تقليصه إلى 4 في المائة، مقابل 4.5 في المائة هذا العام.