24 ساعة

هل يقف غلاء الأسعار وراء تراجع حفلات الزواج خلال فصل الصيف بالمغرب؟

لاحظ العديد من المتتبعين أن حفلات الأعراس في فصل الصيف صارت ضئيلة في السنتين الأخيرتين منذ فترة الجائحة؛ الأمر الذي اعتبره البعض تناميا في المخاوف والترددات والتيه عند بعض الشباب المقبل على الزواج في المغرب، مع وجود رأي آخر يقول إن الزواج صار عند ثلة من الشباب “استثمارا”، بحيث يبحثون عن زوجة موظفة للتعاون وتقاسم أعباء مرحلة “ما بعد الزواج”؛ لكن العديد من الشباب المغربي عنيد ولا يقبل هذا الخيار، فيستسلم لفكرة العزوف.

ولا يتوقف الأمر عند فكرة عزوف شاملة تسفه الزواج كمؤسسة لها قيمتها ومكانتها سوسيولوجيا وأنثروبولوجيا؛ بل يتوقف على وضع جزء من الشباب المغربي، الذي حتى لو فكر في الزواج، فهو يلغي، تلقائيا، فكرة العرس من برنامجه، نظرا للغلاء الفاحش في المعيشة.. فإلى أي حد يعتبر هذا التأويل ذا مصداقية؟

الغلاء.. عامل أساسي

محسن بنزاكور، الأخصائي في علم النفس الاجتماعي، اعتبر أن “غلاء المعيشة محدد أساسي في عملية العزوف عن الزواج، وتراجع حفلات الزواج في السنوات الأخيرة التي كانت ظاهرة للعين المجردة إلى وقت قريب”، مسجلا أن “هذا طبعا راجع إلى عوامل اقتصادية أخرى؛ منها ارتفاع نسبة البطالة، كما بينت المندوبية السامية للتخطيط، إذ إن الشاب غير المستقر ماديا، وفي ظل أزمة اقتصادية نعيشها لا يستطيع أن يغامر ويتزوج”.

وشدد الأخصائي في علم النفس الاجتماعي على أن أشكال الزواج التقليدية ليست قدرا معاصرا؛ لكنها كانت مشجعة لكونها متغلغلة في أعماق المغاربة، وتتجسد في تواطُؤات يومية من قبيل: “الرزق بيد الله” و”نتعاونو على الزمان”، إلخ.. وكان هذا البراديغم يقدم الزواج كخلاصة نهائية لا بديل عنها”، مسجلا أن “البراديغم الحالي كشف كيف صارت المرأة ندا، ولم تعد تنتظر الزوج وفارس الأحلام؛ الزمن تغير والعلاقات الرضائية كثرت بالمقارنة مع السابق ونسبة الطلاق ارتفعت”.

الشباب، حسب المتحدث، “صار يؤمن أن كل شيء متوفر خارج الزواج؛ فعزف عن الالتزام، ربما بحكم كلفته الاقتصادية المرتفعة”، موضحا أن “بعض الشباب أدرك كيف صارت الحياة المعاصرة وشروطها تقتضي أن يكون لك بيت وسيارة وأن تُدرس أبناءك في التعليم الحر، إلخ.. وهذا يؤثر في عملية اتخاذ القرار، لكونها متطلبات صعبة في ظل غلاء المعيشة التي نعيشها، على الرغم من أن هناك خلفيات أخرى يجب عدم إهمالها، منها استقلال المرأة أو قضاء الشاب لوقت طويل في الدراسة، حتى عمر متأخر”.

خوف من المستقبل؟

من جهته، ربط طارق البختي، رئيس المنتدى المغربي للمستهلك، تراجع الزيجات في الصيف بالخوف الذي ما فتئ يتولد عند الشباب من المستقبل”، معتبرا أن “هذا الخوف مرتبط، ضمن عوامل أخرى، بالقدرة على تحمل المسؤولية وتوفير الحاجيات الأساسية للبيت والأسرة. وهذه أمور لها علاقة بالقدرة الشرائية المتدهورة، نظرا إلى أن العامل الاقتصادي، والحال هذه مرتبط بالدخل الأسري سواء كان الزوج يشتغل وحده أو هو وزوجته”.

وأضاف البختي، أن الشاب المغربي انفتح بحكم مواقع التواصل الاجتماعي، واطلع على أنماط استهلاك معينة روج لها المؤثرون؛ منها السفر كل صيف وقضاء نهاية عطل الأسبوع في منتجعات، إلخ”، مبرزا أن هذا التصور فكك رغبة العديد من الشباب في أن يتزوجوا لكونهم أصبحوا يعتبرون العيش وفق النمط ذاته شيئا مستحيلا، من ثم بات المؤثر محددا لكيف يجب أن يكون التصور الاستهلاكي للعائلة، وبدا هذا الوضع منهكا للشاب الذي يفكر في بداية حياته”.

واعتبر المتحدث أن “بعض الشباب وجد ظروف الحياة صعبة والشروط الاقتصادية عموما غير محفزة، خصوصا أن الحد الأدنى للأجور في المغرب لا يزال هزيلا ولا يساعد في عيش حياة زوجية مستقرة”، لافتا إلى أن “من يجني اليوم 7 آلاف درهم شهريا في المدن الكبرى؛ فالزواج بالنسبة له مهمة مستعصية، لكون الزواج يحتاج إلى شروط مادية أساسية، منها تجهيز البيت بالأساسيات فضلا عن الكراء الذي ارتفعت سومته”.

وأمضى المصرح شارحا: “المعيشة تعرف غلاء واضحا، فثمن المواد الغذائية ارتفع والخضر والفواكه والتطبيب والأدوية، والبنزين والكازوال إلخ.. وكل هذا يجعل الشاب يفكر بشكل استراتيجي، ويدرك أنه ربما لن يستطيع تحمل المسؤولية، حتى لو كان هناك تشارك في التدبير الأسري بين الزوج والزوجة”، مسجلا أن البحث عن تفسير لتقلص الأعراس في الصيف، له عوامل كثيرة لا يمكن حصرها، ضمنها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي؛ لكن الظرفية الاقتصادية تجهض الكثير من مشاريع الزواج، لا شك في ذلك.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *