في قلب مدينة العروي، حيث يتوافد المواطنون يوميًا لقضاء مآربهم الإدارية، يتجسد نموذج حي للتفاني في العمل من طرف موظفي الشرطة بالمصالح الإدارية للدائرة الأمنية الاولى، ورغم ضيق المقر الذي لا يستوفي أدنى شروط ومعايير المرافق الإدارية من حيث المساحة والتهيئة، يواصل هؤلاء الموظفون تقديم خدماتهم بكفاءة ومسؤولية، في ظروف أقل ما توصف به أنها مجحفة وصعبة.
تخدم هذه المصلحة الإدارية شريحة سكانية كبيرة تفوق 100 ألف نسمة، موزعة على خمس جماعات ترابية: العروي، بني وكيل، تيزطوطين، افسو، وحاسي بركان. ورغم هذا الضغط الكبير، لا يتعدى عدد الموظفين في بعض المصالح فردًا واحدًا، مثل مصلحة شواهد السكنى، حيث يتكفل موظف وحيد بمهام ثلاثة أشخاص. يبدأ باستقبال المرتفقين، التحقق من الوثائق، إدخال المعطيات في الحاسوب، إعداد الشهادة، إرسالها للتوقيع، ثم إرجاعها وتسجيلها في الكناش، وأخيرًا تسليمها للمواطن وتوثيق توقيعه.
تتكرر هذه العملية عشرات المرات يوميًا، وسط غرفة ضيقة مملوءة بالأرشيف، تحتوي فقط على طاولة ومقعد، يقف أمام بابها طابور من المرتفقين الذين ينتظرون دورهم في ظروف قاسية، تشمل كبار السن والأطفال.
الوضع لا يختلف كثيرًا في مصلحة البطاقة الوطنية، حيث يتكفل موظف وحيد بكل مراحل المعالجة، من استقبال المرتفقين، تسجيل بياناتهم وصورهم، أخذ البصمات، تحرير الوصل واستلام الرسوم، وسط غرفة صغيرة لا تتسع لحجم الإقبال اليومي. وبالموازاة، تقوم موظفة أخرى بتسليم البطاقات الوطنية بكل مهنية واحترام، في حين يتنقل رئيس المصلحة بين الغرف لتسجيل أصحاب حسن السيرة والتأكد من هوياتهم، مساندًا زملاءه بشكل يومي في ظل ضغط العمل والاكتظاظ الخانق.
تمتد معاناة المرفق إلى التصميم نفسه، إذ أن البناية الحالية كانت منزلًا في الأصل، وتم تحويلها لمقر أمني دون تهيئة حقيقية. المساحة الإجمالية لا تتجاوز 100 متر مربع موزعة على غرف وصالة، كما تم تخصيص غرفة إضافية للهيئة الحضرية في نفس الفضاء، ما يزيد الوضع تأزيمًا.
وفي خضم هذه الفوضى المنظمة، يواصل رئيس الدائرة الأمنية تحركاته بين الطابق السفلي حيث الإدارة، والطابق العلوي حيث باقي المصالح، لاستقبال الشكايات والتدخلات الميدانية، مما يضيف بعدًا آخر من العمل والتعب.
هذه المجهودات اليومية الكبيرة تستحق الإشادة والاعتراف، وتكشف عن روح التضحية والالتزام لدى موظفي الشرطة بمدينة العروي. غير أن هذه المجهودات يجب أن تُقابل بتحرك عاجل من المديرية العامة للأمن الوطني، إما ببناء مقر جديد يليق بطبيعة العمل وعدد المرتفقين، أو على الأقل كراء مقر مؤقت يوفر الحد الأدنى من الشروط الصحية والإدارية، خاصة لفصل الدائرة الأمنية الأولى عن مفوضية الشرطة الحالية.
النداء موجه للسيد المدير العام للأمن الوطني، المعروف بتفاعله الإيجابي مع قضايا المواطنين وحرصه على تحديث المرافق الأمنية. بعد سنوات من الانتظار، يأمل ساكنة العروي في تدخل مستعجل لحل هذه الوضعية الاستثنائية، خاصة أن المقر الحالي أصبح أيضًا موضوعًا لأحكام قضائية تتعلق بمستحقات كراء تفوق 50 مليون سنتيم، في ظل عدم أداء جماعة العروي للسومة الكرائية، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد.
في النهاية، يبقى موظفو الشرطة بالإدارة الأمنية بالعروي عنوانًا للتفاني والتضحية، يقدمون خدماتهم بروح عالية من المسؤولية، في انتظار أن يتم انصاف هؤولاء المواطنون وايضا الموظفون وتهيئ لهم فضاءً يليق بحجم خدماتهم وأدوارهم داخل المجتمع
أضف تعليقك أو رأيك