تعرف المدن الحدودية في المغرب، مثل الفنيدق، الناظور، ظاهرة متنامية تُعرف بـ “الهجرة الاستعراضية”، حيث يتوافد العشرات من الشباب والنساء وحتى الأطفال نحو السواحل في محاولة للوصول إلى أوروبا أو الثغور المحتلة. هذه الظاهرة تطرح تساؤلات حقيقية حول واقع التنمية في الأقاليم الحدودية التي كانت تعتمد لسنوات طويلة على اقتصاد التهريب المعيشي.
لا يمكن إنكار الدور الذي لعبه التهريب المعيشي في توفير فرص العمل غير الرسمية لفئات واسعة من سكان هذه المناطق، خصوصًا النساء والقاصرين والعاطلين عن العمل. كان التهريب، رغم عدم هيكلته الرسمية، مصدرًا هامًا للدخل واستمر في تزويد اقتصاد المدن الحدودية بحلول اقتصادية غير تقليدية.
ومع تشديد الدولة على ضرورة ممارسة سيادتها الاقتصادية والأمنية، ومحاربة التهريب والهجرة غير الشرعية، ظهرت الحاجة إلى إيجاد حلول بديلة تعوض الفئات المتضررة وتقلل من الفجوة بين الاقتصاد غير المشروع والاقتصاد الرسمي. إن الجهود المبذولة في محاربة التهريب والهجرة غير الشرعية تعد خطوة مهمة، إلا أن غياب حلول تنموية حقيقية قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تلك المناطق.
إن أزمة المدن الحدودية ليست أزمة عابرة، بل هي انعكاس لأزمات اقتصادية هيكلية تحتاج إلى استراتيجيات تنموية جهوية شاملة. فلا يمكن الاستمرار في هدر الوقت في المزايدات السياسية الفارغة، بينما تعاني هذه المناطق من تفاقم معدلات البطالة والركود الاقتصادي. إذا لم نركز على توفير حلول ناجعة لتنمية هذه الأقاليم وتفادي الاعتماد الكلي على الأنشطة غير المشروعة مثل التهريب، فإننا سنبقى عالقين في حلقة مفرغة من الاحتجاجات والتوترات الاجتماعية.
وفي هذا السياق، يجب على الدولة تطوير استراتيجيات لتنويع مصادر الدخل في المناطق الحدودية، مثل تطوير قطاعات السياحة، الفلاحة، والصناعات الصغيرة والمتوسطة. هذا التنوع في الإيرادات هو المفتاح للتغلب على مظاهر الاحتجاج وتجنب استغلال الأزمات من قبل من يسعون لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية على حساب استقرار هذه المناطق.
في الختام، ينبغي أن تكون التنمية الاقتصادية المتوازنة والعادلة جزءًا لا يتجزأ من السياسات الحكومية لمعالجة أزمة المدن الحدودية. بدون ذلك، ستظل هذه المناطق عرضة للتوترات الاجتماعية، ولن يتحقق الاستقرار المطلوب لمواجهة تحديات الهجرة غير الشرعية والتغيرات الاقتصادية في المستقبل.